آخبار عاجل

إصرار على النجاح .. بقلم- سلوى المؤيد .. الفصل السادس

09 - 01 - 2020 1:36 7622


   فكرت في الذهاب إلى إنجلترا عندما انتهت الحرب  العالمية الثانية عام (1946 م ) لكنني لم أجد مساعداً لدي أعتمد عليه لتولي أعمالي , فطلبت من إبن عمي مؤيد أحمد المؤيد أن ينتقل من مكتبه في العمارة حيث يعمل مع أخي عبدالرحمن إلى مكتبي أثناء فترة غيابي التي استغرقت شهرين.

   تولى إبن عمي مؤيد إدارة أعمالي أثناء رحلتي إلى إنجلترا لشراء بضائع أقوم بتوريدها إلى البحرين ..اتصلت قبل سفري بعدد من التجار منهم عبدالله الحداد ( والد سعيد الحداد وأخوانه أصحاب وكالة المرسيدس الآن ), لإنه كان يعمل في مجال بيع الأقمشة لأسأله عن أنواع الأقمشة التي يمكنني استيرادها وبيعها في البحرين فقال لي:

   " سأخذ منك أي بضاعة تقوم بتوريدها من الأقمشة بفائدة قدرها 25 % إلا إذا استطعت الحصول على الغتر الحمراء التي يلبسها السعوديين , عندئذ فأنا على استعداد أن اشتريها منك بسعر 7 روبيات مقابل الغترة الواحدة".

   شكرته على تعاونه معي, واعتزمت تنفيذ ما يريد, إلى جانب سعي في مجال الأدوات الكهربائية.

   كنت قبل عام (1946م) اتعامل مع شركة ( جي.إي.سي ) لكنني لم اكن وكيلاً لها وعندما ذهبت في تلك السنة إلى إنجلترا,كانت هذه الشركة في اوج شهرتها كأفضل شركة في العالم للأدوات الكهربائية وعندما عرضت على أحد رؤسائها ويدعى المستر ( رو) أن أكون وكيلا للشركة في البحرين, رفض لإنني كنت تاجراً صغيراً ووعدني أنه سيمنحني الوكالة إذا أثب مقدرتي على تسويق بضائعهم لمدة عامين , وقبلت شرطهم مضطراً وشاكراً لهم وعودهم المستقبلية.

   اجتمعت في هذه الرجلة بمدراء شركة (بلاك ستون) حيث تعاقدت مع المسئولين بها على شراء 3 مكائن بقوة 35 حصاناً ولم أكن حتى ذلك الوقت قد أصبحت وكيلاً لهذه الشركة, التي حصلت على وكالتها عام (1952م) وأصبحت فيما بعد ملكة المكائن في الخليج.

   وعدني المسئولون في تلك الرحلة أن يرسلوا لي المكائن التي طلبتها خلال 18 شهراً .ثم توجهت بعد عدة أيام من إقامتي في لندن إلى مدينة مانشستر التي كانت تعد المدينة الثانية في الأهمية بعد لندن .لم أكن قد حجزت مكاناً لي في فندق بهذه المدينة لإنني لم أكن أعتقد انها مزدحمة بالسواح ورجال الأعمال ولسؤ حظي بحثت في 26 فندقاً عن غرفة واحدة لأسكنها فلم أجد , حتى اضطررت في النهاية إلى ان انام على رصيف أحد الشوارع أمام أحد البيوت. أتخذت الباطو الذي كنت أرتديه غطاء لي في تلك الليلة الباردة ووضعت صندوق ملابسي تحت رأسي كمخدة.

   وفوجئ صاحب البيت بي نائماً في صباح اليوم التالي عندما خرج من بيته متوجهاً إلى عمله, سألني في دهشة عن هويتي.

فقلت له:

" أنا رجل أعمال من البحرين ".

سألني

" ولماذا انت نائم هنا؟".

وبعد ان رويت له قصتي سألني:

" هل أعد لك فطوراً؟".

قلت له:

" أشكرك على لطفك أنا قادر على دفع ثمن سكني و فطوري".

   وأخذت سيارة أجرة بعد أن شكرت الرجل على أهتمامه بي, لإنه لم يذهب إلى عمله إلا بعد أن جلب لي كأساً من الحليب لإشربه, فقبلته شاكراً و سألته عن عنونه ورقم هاتفه لإتصل به بعد أن أستقر في سكني, و في اليوم التالي اتصلت بهذا الرجل و دعوته مع زوجته إلى طعام العشاء بإحد المطاعم,و قضيت معهما وقتاً ممتعاً.

   قبل أن أتحدث عن رحلتي إلى باريس أود أن أذكر هذه الحادثة الطريفة التي وقعت لي, والدالة على مدى اجتهادي في تنمية موارد ثروتي.

   كانت البحرين تعاني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من نقص في المعلبات و البسكويت المستورد من الغرب, لذلك فكرت اثناء رحلتي إلى انجلترا أن أحصل على وكالة لبعض هذه الشركات.   و بدأت عملية البحث, حتى وجدت شركة لبيع البسكويت, فطلبت تحديد موعداً مع مندوبها، وعندما ذهبت إلى الموعد المحدد, وجدت حائط غرفة الإستقبال مغطى بصور قطط و كلاب وفوجئت بمندوب الشركة يتحدث عن بسكويت للحيوانات, واكتشفت الخطأ الذي وقعت فيه, وشرحت للمندوب عن هدفي.

وقلت له:

" إن بسكويت الناس بضاعة غير شائعة في البحرين, فكيف ببسكويت للحيوانات"

.وخرجت من الشركة وأنا أضحك من نفسي ,بسبب سوء الفهم الذي وقعت ضحيته.

   وكنت قبل هذه الحادثة أعاني من صعوبات كانت تواجهني لشراء بضائعي بسبب عداء الصهاينة المتزايد للعرب, إذ كلما حاولت شراء بضاعة من شركة سألني المسؤول بها.

" هل انت على معرفة باليهود التجار في البحرين؟".

وعندما أجيبه قائلاً:

" نعم "

كان يسألني عن احوالهم فأطمئنه عليهم.

لكنني أفاجأ به يقول لي بعد ذلك:

" أنا آسف ، نحن لا نبيع بضائعنا إلا لليهود في البحرين,أمثال كوهين و يوسف خضوري وابراهيم نونو و يعقوب زلوف".

وكنت أعود إلى الفندق و قلبي ممتلئ بخيبة الأمل ,لكنني لم أستسلم لليأس.

قلت لنفسي:

لماذا لا أستخدم ذكائي و أنتحل إسم جوزيف كوهين, لأنه يعني بالعربية يوسف خليل لكي أتغلب على الصعوبات التي يسببها اليهود في عملي.

   وهكذا طبعت كارداً بهذا الإسم و انتصرت عليهم,إذ قبلوا بيعي ما أريد’ وخرجت من شركاتهم بالبضائع التي كنت أنوي شراءها بعد أن دفعت لهم ثمنها نقداً, لإن الشيكات ستفضح إسمي الحقيقي واستلمت بضائعي ووضعتها أمانة لدى تاجر عربي سوري الأصل لكي أرحل إلى باريس عن طريق البحر.

   تعرفت خلال رحلتي في الباخرة بشخص عربي كان يدعي عبدالرحمن بامية, جلست أتحدث معه وفجأة بدأ هذا الرجل يشعر بالدوار وأخذ يتقيأ فقمت بمساعدته وجلبت له ماء ليشربه, وعندما وصلنا إلى ميناء كالية بفرنسا, أخذنا القطار إلى باريس بعد أن دفعت قيمة تذاكر الباخرة, وكان هدفي من ذلك التقرب إلى هذا الشخص لإتقانه اللغة الفرنسية وجهلي بها.

وبدأنا جولة متعبة شاقة للحصول على سكن.

مررنا بخمسة و عشرين فندقاً لكننا لم نجد إلا غرفة واحدة بسرير واحد تقاسمناه أنا و زميلي.

وبعد أن وضعنا حقائبنا, خرجنا للنزهة و التفرج على معالم باريس خصوصاً وأنني قرأت الكثير عنها ولم أشاهدها من قبل.

   كان زميلي كما ذكرت يتقن اللغة الفرنسية وأفادني كثيراً في التعامل مع الناس, إلا أنه مع الأسف كان مدمناً على شرب الكحول.

   اقترح علي ذات يوم أن نذهب إلى مسرح فولي بارجير, الذي كان يعد من أفضل المسارح في باريس فوافقته على رأيه, وقطعنا تذاكرنا وجلسنا نتفرج على المسرحية التي استمتعت بمشاهدتها لكني فوجئت بزميلي عند الاستراحة يعتذر لإنه يريد أن يشرب كأساً وبقيت أنا جالساً أشاهد بقية فصول المسرحية, إلا إنه لم يحضر بعد نهاية العرض فخرجت أبحث عنه لكنني لم أجده.

   واحترت في أمري كيف أصل إلى فندقي وأنا لا أعرف إسم الشارع الذي يقع فيه ومشيت ساعة ونصف الساعة حزيناً يائساً لا أدري ماذا أفعل ,كيف اصل إلى حقيبتي و جواز سفري و نقودي؟.

وعصرت تفكيري لكي أتذكر إسم الشارع وفجأة استطعت ذلك.

كانت عقارب الساعة قد وصلت إلى الرابعة صباحاً عندما استطعت الحصول على سيارة تاكسي وأنا منهك من شدة الإرهاق و السهر وعندما سألني سائق التاكسي عن الفندق الذي أسكن فيه قلت له

 لا أعرف."

واعتقد أنني مجنون أو ثمل لكنه أدرك من ملامحي أنني حائر وكان شخص طيب فأخذ يبحث معي عن فندقي حتى وجدته وشكرت السائق بعد أن دفعت له أجرته ,لم يكن يعرف الإنجليزية ولم أكن ملماً باللغة الفرنسية لكن الله هداني إلى بعض الكلمات الفرنسية التي حاولت ان أتفاهم معه بها.

   وصلت إلى الفندق وانا مرهق جداً ونمت على فراشي حتى الساعة العاشرة صباحاً, وعندما صحوت من النوم وجدت زميلي نائماً بجواري وعندما استيقظ قال لي:

" كنت ثملاً للغاية, وسلب بنات الليل مني كل ما أملكه  من نقود فهل تستطيع أن تقرضني 50 جنيهاً؟"

 قلت له وكنت قد بدأت أتضايق من السكن مع شخص غير مسؤول مثله.

"أنا آسف يا أخ عبدالرحمن لا يوجد لدي سوى (20 جنيهاً) سأمنحك إياها ,انت تعلم أن الحكومة البريطانية لا تسمح لإي مسافر من إنجلترا إلى باريس ان يزيد المبلغ الذي في حوزته عن (100 جنيهاً) لمصاريفه الخاصة, وأسعار باريس مرتفعة وانا مضطر للبقاء فيها, لإنهي أعمالي التجارية".

   وشكرني الرجل على ما منحته إياه وأصر على أن أواصل السكن معه لكنني مللت من تصرفاته الطائشة وقررت أن أنتقل إلى سكن آخر فودعته وذهبت لإبحث عن فندق آخر.

   وكان من الصعب الحصول على غرفة خالية في فندق بسبب كثرة الزوار في باريس, حيث صادف ذهابي إليها الوقت الذي تقام فيه معارض السيارات السنوية,وفي تلك السنة كانت وكالة المرسيدس مفتوحة لمن يريدها,ولم تكن شركتنا تويوتا أو شركة داستون (نيسان ) حالياً معروفتين.

   وضعت حقيبتي في الفندق, وذهبت إلى معرض السيارات الذي ذهلت من ضخامته و حجمه واتساعه , كنت قليل التجارب في تجارة السيارات, واحترت من أين أبدأ؟ وماذا أختار؟.

    كان رأسمالي قليلاً, لإنني أنفقت معظمه على شراء الأقمشة و الأدوات الكهربية, لكنني كنت طموحاً في تجارتي فقلت لنفسي:

( لماذا لا أحاول الحصول على وكالة سيارات ناجحة).

   وجدت طابوراً مزدحماً من الناس أمامي فسألت عن سبب وقوفهم وقيل لي أنهم ينتظرون دورهم للحصول على أحدى وكالات السيارات.دخلت المعرض لإجد أربع سيارات ( رينو) صغيرة قيمة كل منها ( 120 جنيهاً استرليناً) فوقفت مع الواقفين أنتظر دوري لعل و عسى أنجح في إقناع رئيس الشركة بإن أكون وكيلاً عنها في البحرين وعندما دخلت للقاء مندوب الشركة, أصر على أن أشتري 25 سيارة و فوجئت بطلبه .

قلت له:

" كيف اشتري 25 سيارة, لا أعلم بمدى قوتها, ولا إذا كان الناس راغبين في شرائها؟".

لكنه اجاب , بأن الشركة لا توافق على أقل من 25 سيارة لمن يريد أن يكون وكيلاً عنها.

فقلت له:

" أنا آسف لا أستطيع , بإمكاني شراء عشر سيارات وأكون مغامراً بهذا العدد".

   وبعد مفاوضات استمرت ساعة وافق المندوب على منحي الوكالة,فرحت كثيراً, وأملت أن أربح كثيراً من هذه العملية, وصرفت النظر عن وكالات السيارات الأخرى المعروضة مثل  (( المرسيدس)) و (( رولزرويس))و ((فولكس واجن)), وعندما عدت إلى البحرين, فتحت اعتماداً لعشر سيارات وانتظرت 3 أشهر لكي استلمها كما وعدني مندوب الشركة.

   ومرت سنة كاملة. وأنا أترقب وصول البضاعة التي بعتها مقدماً على عدد من الأشخاص, أذكر منهم الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة رحمه الله.

   إلا أن الشركة أرسلت لي رسالة اعتذار لعدم استطاعتها إرسال السيارات المطلوبة, بسبب عدم صلاحيتها وحزنت كثيراً وتأسفت لإني تعاملت معهم, لما سببوه لي من إحراج لزبائني, وأنا تاجر في بداية حياتي التجارية,ولإني كذلك تجاهلت فرصاً كثيرة عندما تركت شركات السيارات الأخرى المعروفة الإيطالية و الفرنسية و الألمانية. لكنني أقنعت نفسي بأن هذا نصيبي من الرزق و علي تقبله.

   بعد سنة و نصف من رحلتي إلى لندن وصلت مكائن ليستر وخلال هذه المدة أيضاً وصلت بضائعي الأخرى التي تعاقدت على شرائها في لندن, وكان عبدالله الحداد قد اشترى الغتر الحمراء مني,كما وعدني و حصلت على أرباحاً طيبة لذلك اعتبرت تلك الرحلة موفقة إلى حد ما.

   



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved